وفي صفر من عام 1220 هـ
جمع المضايفي نحو أربعة آلاف مقاتل وهجم على عساكر الأتراك وبغتهم ، فولت الأعراب هربا من العساكر حتى وصلوا
الزيما ، وخرج خلفهم أمير مكة ولم يستطع اللحاق بهم . وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة ركب الشريف غالب
ومعه الأتراك و العساكر إلى الطائف ، وأرسل العربان عن طريق جبل كرا برئاسة أحمد بن مثقال ، فحاصروا المضايفي
وأقام عشرة أيام ولما لم يستطع دخول الطائف رجع إلى مكة .
ثم دعا الإمام سعود بن عبدالعزيز في شهر جمادى الأولى لقاءا عاما حضره الأمراء منهم عبدالوهاب أبو نقطه أمير
عسير وسالم بن شكبان أمير بيشه وعثمان المضايفي أمير الطائف والحجاز وغير هؤلاء من الأمراء ، وأمرهم بمحاصرة
غالب بن مساعد في مكة ، وقد عاد المضايفي في العشرين من جمادى الآخره ، فاستقبله خواصه في الطائف ، وفي
الثامن عشر من شهر شعبان من العام نفسه أغار المضايفي على جده وقسم جنده ووزعهم على ثلاث جهات والتقوا عند
سور البلد ومعهم السلالم و معاول الحديد ونقبوا السور وردتهم المدافع ، وكان مخيمه في موضع ناء عن الرصاص ، ثم
عاد إلى قرية المدرة ، وجعل يراسل العربان فانثالوا عليه ، ويقوم بارسالهم إلى جده لمحاصرتها وابقى لمحاصرة جده
وهس شيخ قبيلة زبيد ، فخيموا هناك يردون آبار غليل وامتنع الوصول إلى مكة وسد الطريق ، وأمر الجحادله وبعض
هذيل أن يخيموا على الشرفيه وقطعوا كلما يرد عن طريق اليمن ، وقطع طريق الجهه الشرقية وأمر بالمخيم على وادي
نعمان فتم له منع الأقوات من الثلاث جهات . وفي الثالث من رمضان أرسل عثمان جماعة من قومه فنهبوا إبل الشريف
في العقيشية ، فحاول الشريف ارجاعها بالخيل فلم يتمكن ، وفي الخامس من رمضان من السنه المذكورة أمر عثمان
أربعين من قبيلة هذيل الندوية ليمكثوا بين مكه والحسينيه ، فجلسوا عند الشرفه التي عند جبل ثور يقطعون من يمر عليهم .
وفي العاشر من شوال من تلك السنه رحل عثمان المضايفي من طريق جده وقصد الحسينيه ، فجهز الشريف غالب جماعة
من الخيل و المشاة فالتقوا بالمضايفي عند بطحاء قريش باسفل مكة ، فوقع القتال بينهم ، وقتل الشريف فواز
الحسيني أمير المدينة ، ثم رجع عثمان إلى الحسينية وحارب من فيها مدة يومين فملكها ، وهي موقع حصين ، ويقال
أن وكيل الشريف سهل لهم ذلك ، فانثالت عليهم العربان من كل سهل وجبل ، وأرسل عثمان يبشر سعود بذلك . ثم وصل
إلى الحسينيه ابن شكبان بما يزيد على خمسة آلاف من بيشه و شمران و غامد و زهران و قحطان ، كما وصل
عبدالوهاب أبو نقطه بنحو عشرة آلاف من عسير وعربان اليمن ، فأصبح عددهم مع جند عثمان بالحسينيه ثلاثين ألفا.
وفي العشرين من ذي القعده وصل من الحسينيه عبدالرحمن بن نامي أحد العلماء في نجد فاجتمع بغالب وتم الصلح
على أن يأذن الشريف للسعوديين بالحج و الدخول في الطاعة ، ودخل عثمان المضايفي وسالم بن شكبان مكة وخيموا
بالأبطح ، وفي اليوم الثامن توجهوا إلى عرفة .
وفي عام 1220 هــ كذلك ، انتقض الصلح بين غالب وسعود بن عبدالعزيز ، فسدت الطرق كلها إلى مكة جهة اليمن و
تهامة و الحجاز و نجد لأنهم كلهم رعية الإمام سعود ، وأمر الإمام علي عبدالوهاب أبو نقطه ومن تبعه من تهامة وسالم
بن شكبان و رعاياه من بيشة ونواحيها وعثمان المضايفي بجميع أهل الحجاز بالمسير إلى مكة ، فينزلون حولها
ويضيقون على غالب ، فطلب غالب الصلح ومواجهة الإمام سعود ومبايعته ، فصالحوه و أمهلوه . ودخل عبدالوهاب
وعثمان ومن معهم من الأمراء و الأتباع ثم انصرفوا إلى أوطانهم .
يبدو أن غالب كثير التبدل و التلون وعدم الثبات على الصلح وما جرى عليه الاتفاق ، لذا قرر الإمام سعود في فصل
الخريف أن يشدد حملته على غالب ، فأصدر الأوامر لعبدالوهاب و ابن شكبان و المضايفي بأن يعدوا حملة هائلة جدا
على مكة و ضواحيها ، والبقاء هناك حتى مجيء قائد الحج الشامي من الشام ، فيمنعونه من الدخول إن كان قد قدم
بالأسلحة ، ولما رأى غالب هذه القوة ، طلب الصلح ، و أنه مستعد بعد الحج للتوجه للدرعية ليقدم الولاء ، ووافقه القاده
السعوديون ، وحج عثمان و عبدالوهاب.
وفي الخامس والعشرين من جمادى الآخره من عام 1221 هـ
وقع بمكة قتال بين الأتراك و العبيد و الشريف ، وقتل فيها مائة وعشرون بين قتيل وجريح ، ودام القتال أربعة أيام ،
فجاء الشريف غالب وانتقم من مدبريها بالقتل و الحبس و التسفير ، وقد اتخذ منها المضايفي مناسبة للقدح في غالب
وعدم كفايته لضبط مكة ، فركب من الطائف للدرعية ليخبر سعودا بالقضية ، فكان توجهه في رجب ، ورجع بعد خمسة و
ثلاثين يوما ، ولما رجع أمر العربان بقطع الطرق مشاقة لغالب ، لأن سعودا أعطاه إمارة العربان ، فغلت الأسعار بمكة
فأرسل له سعود و منعه و زالت الشدة بعد ثمانية أيام. وفي نفس العام وصل الشريف عبدالله بن سرور من اسطنبول ،
وطلب من الدرعية إمارة مكة فلم يقبل سعود ، ولما وصل مقبلا إلى مكة ووصل لأبي الدود ، أرسل لعمه يستأذنه في
الدخول ، فلم يأذن له ، فلما سمع المضايفي أنه طلب من الدرعية إمارة الطائف وتكلم فيه عند سعود ، أرسل جماعة من
عدوان و قبضوه وسجنه قريبا من ستة أشهر ثم أطلقه.
وفي يوم الجمعه الثاني عشر من شوال ، عزم الإمام سعود على الحج للمرة الثالثة ، وسير أمامه قبل خروجه عبدالوهاب
بن عامر أبو نقطه ورعاياه من عسير وألمع و غيرهم وفهاد بن سالم بن شكبان بأهل بيشه ونواحيها وعثمان
المضايفي بأهل الطائف و نواحيه ، وواعدهم المدينة المنورة وذكر لهم منع حواج الشام و استنبول ونواحيهما وذلك لأن
سعود خاف من غالب شريف مكة أن يحدث منه أو عليه حوادث بسبب دخول الحواج الشامية واتباعهم ، ثم رحل هؤلاء
الأمراء من المدينة وقصدوا مكة ، فاجتمعوا فيها بسعود وحجوا واعتمروا في أحسن حال ، وبايعه الشريف ، وقد ذكر
فلبي أن هذا الحشد كان بسبب مسلك غالب المبهم وخوفا من أن يقرر الباب العالي ارسال جيش من الأتراك لحماية قافلة
الحج السورية ، وكانت الخطة التي وضعها سعود تقضي بحشد جيش كبير في المدينة يتكون من غزو عسير وبيشه
ورنيه ويقابلهم عثمان المضايفي مع سكان الجبال من منطقة الطائف ، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الحجاز يضاف
إليهم قوة القصيم تحت إمرة حجيلان بن حمد وقوات شمر بقيادة الأمير محمد بن عبدالمحسن بن علي وجنود الوشم ،
وانضم إليهم في الطريق جيش كبير من قبيلة حرب بقيادة مسعود بن مضيان وجابر بن جبارة .
وفي جمادى الثانية من عام 1224 هـ
حدث من حمود بن محمد أبو مسمار صاحب أبي عريش ، وهو من نسل أحمد بن أبي نمي ، عداوة لعبدالوهاب أبو نقطة
أمير عسير ، ولم يحصل بين ابنه و عبدالوهاب أمام الإمام سعود اتفاق وكتب له سعود بمحاربة أهل صنعاء فلم يفعل ،
فأمر الإمام سعود أهل النواحي الحجازية و اليمنية ومن يليهم بالمسير لقتاله ، وبعث من الدرعية فرسانا انتقاهم ، وسار
علي بن عبدالرحمن المضايفي أخو عثمان المضايفي من الطائف وقراه ومن بوادي الحجاز ، والتقى الجمعان بوادي بيش
فقتل عبدالوهاب ، ثم كرت الجموع على حمود فهزموه وتراجع في هزيمته إلى حصنه ، فاستولى الجيش على الحصن
صلحا ، واستعمل سعود على تهامة و السراة طامي بن شعيب ، ابن عم عبدالوهاب في شهر ربيع الأول .
وفي عام 1225 هـ
وصلت الأخبار بأن أمير حجاز مكه جميعه عثمان المضايفي خرج من بلده يريد اليمن ، وجمع من الجنود ما يقارب خمسة
آلاف ، وانضم إليه في الشقيق طامي بن شعيب أمير عسير ومعه ثلاثة آلاف و ألفان من قبيلة شهران وغيرهم ونحو نحو
الألف ، وتوجه إلى اليمن ، وكان طريقهم غربي أبي عريش بنحو فرسخين ، وهم الشريف حمود أبو مسمار باعتراضهم
ويحول بينهم وبين اليمن ، فلم يبلغه خبر مضيهم إلا وقد نفذوا ، وبقي يترقب عودتهم وانتهوا مور ثم إلى مورد الماء
الذي يرده أهل اللحية المسمى العيسية نسبة إلى رجل يسمى عيسى من أهل الجامعي ، وأخذوا ما وجد هناك من
الأنعام ، وقتلوا رجالا يعملون في عمارة حصن بأمر حمود ، ثم عادوا ولم يتهيأ لهم دخول اللحية ، بينما يقول الفاخري
أنهم دخلوا اللحية و الحديدة في نفس العام وربما يكون ذلك في غزوة أخرى ، ولما رجعوا من اليمن ، خرج أبو مسمار
بنفسه ومعه الأجناد من بكيل و أبي عريش حتى وصل إلى غربي الوحلة ضاربا إلى جهة اليمن في موقع يسمى بربر
جنوب قرية المضايا بنحو كيل ، ثم التفت إلى القوم فرأى سيلا جرارا وبحرا أمواجه العتاق الضمر ، فانبهر جند الشريف ،
وصدم أبو مسمار ذلك الجيش ، فانكسر خيله وولوا على أدبارهم ، وقتل منهم عالم كثير وتعقبهم أهل الشام وإذا قوهم
كأس الحمام وقتل سعود المضايفي ابن عم عثمان وهو أكبر رؤساء جيش عثمان ، منزلته كمنزلة طامي عند عبدالوهاب أبو نقطة.
وفي عام 1226 هـ
ارتحل الجيش المصري من الحصوة ونزلوا بركة الحج في التاسع من رمضان أو في الثالث عشر من ذي القعده ، ووقع
القتال بين الفريقين ، وفي الخامس عشر من ذي الحجة وصل الهجانة للإخبار بوصول الجيش المصري إلى ينبع ، وقام
الابن الثاني لمحمد علي طوسون وهو في السادسه عشر من عمره ، وقاد حملة قوامها ثمانية آلاف من المشاة وصلوا عن
طريق البحر الأحمر ، وألفين من الفرسان عن طريق البر ، ولما انحاز لهم غالب بن مساعد أشار إليهم بالتوجه للمدينة ،
فاحتل بدرا ، وتابع المسير للصفراء ، فالتقى بالقوة السعودية بإمرة عبدالله بن سعود ، ابن إمام الدرعية ومعه خمسة
عشر ألفا ، وكل من أمير عسير طامي بن شعيب وعثمان المضايفي أمير الطائف ، وهزم طوسون.
وفي عام 1227 هـ
خرج أمير الطائف والحجاز عثمان المضايفي ونزل وادي الحمى وهو مكان في ديار قبيلة بني كبير من غامد ، ووقعت
فيه معركة مع أبناء غامد وزهران ، إلا أنه قال أن ذلك في عام 1238 هـ ، ويبدو أن المعركة حدثت في العام الثامن
عشر بعد المائتين و الألف ، لأن المضايفي قد أسر في عام 1228 هـ
وفي عام 1228 هـ
استوحش عثمان المضايفي بعد أن وقع من غالب بن مساعد أمير مكة ما أوحش عبدالله بن سعود ، فتراجع عبدالله
للريعان بقرب السيل الكبير ثم للعبيلاء ، وأمر عثمان المضايفي أن يضبط الطائف ، وتوجه للخرمه . فلما دخل طوسون
مكة بعد أن دعاهم غالب بن مساعد ، خاف المضايفي على نفسه وحرمه ، فخرج بعياله ونسائه وبعض خيله وما خف من
أمواله ومتاعه ولحق بعبدالله بن سعود ، وكان ذلك في شهر محرم من عام 1228 هـ
وبذلك أصبح الطريق ممهدا للترك لاحتلال الطائف ، لذا سار مصطفى بك ، رئيس فرسان محمد علي وصهره وابن غالب
إلى الطائف ودخلوه في ذلك العام .......