هذرلوجيا
إبل الدواسر
سليمان الفليح
كنت إذ ذاك في ربيع أخضر أتجوّل ما بين (الدوّ) و (الديدبه)، إذ تنفتح براري حفر الباطن إلى ما لا نهايات الأفق، وكانت معي السيدة أم سامي تلتقط (الفقع)، وكانت نسائم الصحراء الربيعية تحمل عبق أزهار البرّ ورائحة الطبيعة البكر، آنذاك قالت أم سامي ما رأيك أن تعود إلى طفولة بداوتنا الأولى تماماً كما أحببنا بعضنا في الزمن السالف، حينما كنت مراهقاً صغيراً تلاحق (الحاطبات) في البراري، وتطلب منهنّ أن يعملن لك أبريقاً من الشاي على حطب (الرمث)، وكنت تغازلهنّ بأبيات من الشعر بلا استثناء، - إذن - قالت السيدة أم سامي، سأعمل لك أبريقاً من الشاي على حطب الرمث، وراحت تجمع من أشجار الصحراء، وقبل أن (يستوي) الشاي، اقتحمنا قطيع من الإبل الملحاء وأخذ يرعى منتشراً في المكان، وقلت لها أيتها السيدة البدوية هذه إبل الدواسر ولا شك .. فأنا خبير بأصناف الإبل وسلالاتها النادرة.
* * *
بعد ذلك مرّت بنا فتاة تقود سيارة الجيب وتركن إلى جانبها (رشاشاً) حديثاً، وكان الهواء يطوّح برقعها الأخّاذ ليكشف عن وجهها الجميل، قالت لها أم سامي: يا بنت ألا تحلبين لنا من (خلفاتك) الرائعة، قالت لها الدوسرية المسلّحة: لا بأس بشرط أن تعطيني هذا الرجل الذي يجلس بجانبك .. قالت لها أم سامي إنني لا أبدله بكلِّ إبل الدواسر النادرة. قالت لها الفتاة الدوسرية: ما دام الأمر كذلك فهو لا يسوى (وبرة) واحدة من إبل الدواسر الأصيله الغالية الأثمان!!
* * *
وبالفعل إنّ إبل الدواسر الغالية الأثمان هي من أنقى سلالات الإبل العربية ومن أندرها، وأنّ نياط القلب تتقطع حزناً حينما نرى جثثها المتناثرة في صحافتنا المبجلة، وبالرغم من أنّ خادم الحرمين الشريفين قد أمر بتعويض أصحاب الإبل النافقة، إلاّ أنّ إبل الدواسر بالذات تعتبر خسارة فادحة لانقراض الجمل العربي الأصيل.
المصدر
http://www.al-jazirah.com.sa/2007jaz/aug/19/ln15.htm