كبيــر الهمــة لا ينقُضُ عَزْمه
قال تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
قال جعفر الخلدي البغدادي : " ما عقدت لله على نفسي عقدا ، فنكثته "
علام يندم كبير الهمة؟
يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "
يا كبير الهمة : لا يضرك التفرد ، فإن طرق العلاء قليلة الإيناس
فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يحصل مع كل مرتبة
يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة ، و إلا انقطع به السبيل ..
عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا يرضيه إلا معالي الأمور
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها ، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة ، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا * ولم أقتبس علما فما هو من عمري
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيلا ، وينجز ما ينوء به العصبة أولو القوة ،
ويقتحم الصعاب والأهوال لا يلوي على شيء
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر
ندرة كبيريّ الهمة في الناس
يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس كإبل مائة ، لا يجد الرجل فيها راحلة "
وهم في الناس ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين
وقد كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا أعز من القليل .
عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة
إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء ، ولا يرضى بحياة مستعارة ، ولا بقُنيةٍ مستردة ، بل همه قنية مؤبدة ، وحياة مخلدة ، فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي ، و لا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى ، وهمه الأسمى..
عالي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه ، في غير كبر، و لا عجب ، ولا غرور ، وإذا عرف المرء قدر نفسه ، صانها عن الرذائل ، وحفظها من أن تهان ، ونزهها عن دنايا الأمور ، و سفاسفها في السر والعلن ، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها ، فتبقى نفسه في حصن حصين ، وعز منيع لا تعطى الدنية ، و لا ترضى بالنقص ، ولا تقنع بالدون ..
كبير الهمة عصامي لا عظامي
فكبير الهمة عصامي يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، و لا يضيره ألا يكون ذا نسب ، فحسبه همته شرفا ونسبا ، فإن ضم كبر الهمة إلى نسب كان كعقد علق على جيد حسناء ..
الحث على علو الهمة في القرآن والسنة
تواردت نصوص القرآن والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور ، والتسابق في الخيرات ، وتحذيرهم من سقوط الهمة ، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك ..
فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون
وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم..
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل )
ومنها : أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة ، والقوة في دين الله
( فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين )
( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة )
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
ومنها : أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية ، والتنافس في الخيرات ..
( فاستبقوا الخيرات )
أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور ..
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها )
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور ، ويكره سفاسفها )
وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: ( إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ..
فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )
***********
كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرا غير مجذوذ ، ويجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل ، فلا ترى واقفا إلا على أبواب الفضائل ، ولا باسطا يديك إلا لمهمات الأمور ..
إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال ، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة ..