أشهرها ناقة صالح والبسوس والقصواء
الإبل «سفن» أغرقتها النخالة
محمد العنزي (الدمام) عبدالعزيز الربيعي (الطائف)
نفوق 1982 رأسا من الابل -حسب بيان وزارة الزراعة قبل نحو اسبوعين في عدد من مناطق المملكة وارتفاع هذا العدد ليصل الى 2563 رأساً حتى السبت الماضي يعجل بفتح ملف الابل واهميتها لدى ملاك الابل وفي حياة الصحراء تاريخا وحاضرا فضلا عن الاعجاز في خلقها وفوائدها. وقد اندلعت شرارة هذه الكارثة عندما تلقت مديرية الزراعة بمحافظة وادي الدواسر عصر يوم الجمعة 27 رجب 1428هـ بلاغا من أحد مربي الابل يفيد بنفوق ثمان من ابله، وعلى الفور تم توجيه الاطباء البيطريين للوقوف على الحالة المذكورة، وتم ابلاغ الجهاز المركزي بالوزارة في الرياض في اليوم التالي للبلاغ حيث تم استدعاء اطباء بيطريين من فروع الوزارة واخرى لمساندة الفرق البيطرية الموجودة في وادي الدواسر اضافة الى ارسال اختصاصي السموم والباطنة من الوزارة وخبير في الابل وادوية بيطرية بجانب ما هو متوفر لدى مديرية الزراعة.
تكشف ان هناك حالات تسمم حيث ان العامل المشترك بين الابل النافقة هو تغذيتها على النخالة التي تم شراؤها من سوق الاعلاف سواء من وادي الدواسر او غيرها من المناطق التي حدث فيها نفوق الابل.
وتم اخذ عينات من الأعلاف والدم والأحشاء وبقية الاعضاء واخضاعها للتشخيص المخبري بمختبرات الوزارة، كما تمت الاستعانة بجهات اخرى لاستكمال الاختبارات كمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومختبر ايداك (قطاع خاص)، وبالتنسيق مع منظمة الاغذية والزراعة العالمية (الفاو) تم ارسال عينات الى مختبر متخصص في فرنسا.
وقد توزعت الابل النافقة التي بلغت (1982) رأسا حسب بيان وزارة الزراعة، على مناطق المملكة وكان نصيب الرياض منها في وادي الدواسر (1008) والسليل (14) ومنطقة مكة المكرمة في رنية( 340) والأملح (89) والخرمة (14) وظلم (9) ومنطقة عسير في بيشة (28) وتثليث (184) ومنطقة نجران في يدمة وهدارة وشرورة وحمى وسلطانة وثار (191) ومنطقة جازان في أبو عريش وأحد المسارحة (105).
وحتى ظهور نتائج المختبرات الداخلية والخارجية تظل قضية نفوق الابل مفتوحة على كل الاحتمالات.. ولكن السؤال لماذا كل هذا الاهتمام بالابل.
أنا راعي الابل
لا يخفى على أحد مدى ارتباط الانسان العربي بالابل منذ القدم فقد كانت ولا تزال وسيلة للنقل وطعاما ذا قيمة عالية وفوائد اخرى لا تعد ولا تحصى وقد أغدق الانسان العربي مشاعر فياضة الحلقة القادمة: ملاّك الإبل يتكبدون الخسائر تجاه الابل من خلال حبه وحنينه لها واطلاقه الاسماء والالقاب عليها والاعتزاز بها بل وصل الأمر الى درجة النخوة بها مثل قول احدهم :«أنا راعي العليا».
مخلوق عجيب
والابل هي مخلوق عجيب بها من الأسرار الكثير، يقول المولى عز وجل {أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت} فهي تعتبر عجيبة بكل المقاييس سواء في الشكل أو الحجم أو المنظر وهي عجيبة ايضا في سلوكها الرعوي وفي صفاتها وطباعها وقد جعلها الله عز وجل معجزة كما ورد في قصة (ناقة صالح) عليه السلام وقد حفظ التاريخ لنا عدة اسماء من الابل مثل: (القصواء) ناقة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وقد كانت راحلته عندما هاجر من مكة الى المدينة المنورة يرافقه الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكذلك الحمراء ناقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي نقلته الى بيت المقدس بعد أن فتحها المسلمون اثناء خلافته رضي الله عنه وايضا هناك (ناقة البسوس) التي أشعلت نار الحرب ما بين أبناء العمومة من قبيلتي بكر وتغلب لمدة أربعين عاما أتت خلالها على الأخضر واليابس.
ومما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة انه قال عليه الصلاة والسلام «الابل عز لأهلها» كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه :«اذا سافرتم في الخصب فاعطوا الابل حقها من الأرض واذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير» وهذا أمر من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحث فيه على الاهتمام بالابل وحفظها.
قصائد في الابل
ولقد تأثر الانسان العربي بالابل التي كانت راحلته ومطيته، ووسيلته في الترحال والانتقال من مكان لاخر، فقد اتخذ ناقته صاحبا ورفيقا ومسلية لوحدته، وخلع عليها من مشاعره وأحاسيسه ما جعلها تتصف بالصفات الانسانية، فتشكو وتتألم، وتشعر بالغربة والحنين الى الوطن وتناجي صاحبها وتحاوره، خاصة الذين عاشوا معها وعرفوا قوتها وصبرها ووفاءها وحنينها، مما ولد لديهم وصفا بديعا لهذا المخلوق الالهي العجيب، فنظموا عدة قصائد متنوعة ومتعددة تصف طباعها وحنينها على مراتعها ومنازلها ومدى حب الناس لها ومنزلتها عند أصحابها.
لذا نجد أن ابن البادية يتعاطف ويتفاعل مع ابله وتؤثر فيه نفسيا وكثيرا ما يقرنها بحالته، يقول الشاعر:
عيني اللي عافت النوم من صوت الخلوج
يوم كل نام شاركتها في خلاجها
ويتواصل تعاطف الشعراء مع الخلوج وحالتها من فقدها لحوارها حيث يقول أحدهم:
خلوج تجر الصوت وحوارها مذبوح
حرام على النوم مازلت أنا أوحيها
والشاعر الشعبي عاش في وجدانه حب هذا الحيوان وتعلق به وعرف خفاياه ومزاياه، وفي ذلك يقول الشاعر محمد العاصمي القحطاني:
والله ما استأنس وينساح بالي
الا الى ما قام بزجر فحلها
واشوف حيران النياق الغوالي
تدرج ونار الربع يوضي شعلها
والابل سلعة غالية ومحبوبة عند غالبية الناس وخاصة اذا كانت من سلالة طيبة ومعروفة أو من أصناف المزايين، وفي ذلك يقول الشاعر خلف بن هذال:
البل لها في مهجة القلب منزال
منايح القصار سفن الصحاري
مراجل يشقى بها كل رجال
أفلاس بايعها نواميس شاريها
والناقة هي أغلى ما يملك العربي فهي تنجيه من الأعداء وتقربه من الأحباب، لذا لا يفرط فيها بسهولة، يقول الشاعر:
يافاطري ما أرخصت فيها بالأثمان
الا بيوم ما يقلب صويبه
وفي ذلك يقول الشاعر ايضا:
يا راكب من فوق هجن مصطر
وساع النحور مبعدات المعاشي
لا هنب لاحثو ولا هنب فطر
تلقا لهن عقب المقيل ارتهاشي
ويقول الدكتور فايز المضحي الذي لديه عدة بحوث حول الابل: ان تواجد الجمل في بلادنا العربية ساهم في اغناء تراثنا وحضارتنا، فالجمل يعتبر رمز الاستقلال، والغنى والقوة، كما أن الانسان العربي استفاد من الابل في مجالات عدة وعلى مدى عصور طويلة، فلا يكاد يذكر الجمل الا وتخطر بالبال صفتا المعاناة والصبر، فهو ذلك المخلوق القادر على العيش والعطاء في خضم الظروف القاسية للصحراء العربية.
وقد تعلق الانسان العربي بالجمل تعلقا فريدا يتجلى في تواجد ما يناهز ستة الاف مفردة في اللغة العربية لتعيين اصناف الجمال وابراز كل ما يتعلق بمعيشتها وخصائصها الجسدية، والشعر العربي يزخر بعدة قصائد، وكانت الناقة مصدر الهام الشعراء للاشادة والتغزل بمعشوقاتهم.
وفي القرآن الحكيم وردت آيات عدة تتحدث عن الابل وباقي الانعام، كما ان الله سبحانه وتعالى اضاف اسم الناقة الى اسمه (ناقة الله) وهذه اضافة تشريف وتعظيم كقوله (بيت الله) او (عبدالله) والأمر يتعلق بالناقة في عهد سيدنا صالح عليه السلام التي كانت سبب هلاك قوم تمود بعد عقرهم اياها.
لا شك ان الجمل من أعظم آيات الله في خلقه، ويحوي من الاعجاز في الخلق ما جعله مصدر اهتمام وعناية الاهيين وصل الى دعوة الله لنا للنظر والتدبر في هذا الحيوان العجيب وفيما يخفيه هذا الكائن من أسرار.