قال الراوي :
شكوت إلى أخي يوماً قضية تؤرقني كثيراً ، حتى أوشك اليأس
أن يتسلل إلى أجواء قلبي ، هذه القضية هي :
كيف أني أسمو أحيانا مع الطاعات إلى آفاق عالية جداً ،
ثم إذا بي أنتكس فجأة ، وأقع فيما أتعجب الوقوع فيه ، بعد ذلك السمو ..!!
فكاد الإحباط أن يأكل قلبي !
.
فتبسم صاحبي وقال :
تذكر يا صاحبي أن الكمالَ لن يكونَ إلا لله وحده ..
وأن العصمةَ لا تكون إلا لرسلهِ عليهم الصلاة والسلام ..
فلا عليك ..!
تحلو تارة ، وتارة تسمج .. تعلو حيناً ، وحيناً تسفل ..!
يوماً ترفرف ، حتى تكاد تقبّل وجه السماء ،
وفي يوم آخر تهبط ، حتى يرتطم رأسك بالقاع .. !!
يضيء قلبك ساعة ، فكأن الشمس تشرق من داخلك !
وأخرى يظلم قلبك ، حتى لكأن ليل الدنيا كله قد اجتمع عليك ..!!
.
هكذا هي الحياة ، وهذه سنة السائرين في درب الاستقامة ،
والشيطان يا صاحبي لم يمت بعد ،
وأشد ما يغيظه أن يرى شابا يشمر في الطريق إلى الفردوس ،
فهل يعقل أن يتركه يمضي بسلام !!؟
كلا ..ثم كلا !!
.
وإذن فهذه هي طبيعة الدنيا ، وإذا أردتها على غير ما خلقها الله عليه ،
فقد أتعبت نفسك ، وطلبت المحال ،
إنما المطلوب منك أمور :
.
أن لا تستسلم لنفسك الأمارة بالسوء في كل ما تهواه ، وما تشدك إليه ..
بل يلزمك أن تحمل في وجهها سيف مجاهدة ، ولا تدعه يسقط من يديك ..!
( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى )
.
والأمر الثاني :
أن تجاهد نفسك لتبقي فترة الإشراق التي تلم بقلبك ، لأطول فترة ممكنة ،
وفي المقابل ، تجاهد نفسك لتجعل فترات الانكسار والفتور ،
قصيرة خاطفة متقطعة ، تؤلمك ويحزنك مرورها بقلبك ،
وتجأر إلى الله أن يعينك عليها .
.
وأمر ثالث :
حتى وأنت في حالات الفتور وانكماش القلب ، وتراجعه عن مواقعه الرائعة
التي كان فيها ، حتى في مثل هذه الحالات ، يلزمك أن تبقى يقظاً ،
حتى لا تجرفك فترة الفتور إلى ما لا تحمد عقباه ،
بل جاهد نفسك أن تبقى في الحدود الدنيا من الطاعات ،
ولا تقبل التنازل عن هذه الحدود ، مهما كان ضغط الهوى عليك ..
منقووووول
ونسأل الله الثبات لنا ولكم