سؤال واضح..وقد تكون الإجابة عليه سهلة لدى
البعض،لكن التعليق لدي يندفع متسرعا مكتوبا على ورق وان كانت المجتمعات وحسب
التقاليد السائدة قد قررت أنه لا يمكن للرجل أن يبكي أمام الناس،فإنما هذا القرار
التعسفي هو أسلوب قمع للأحاسيس، فكيف للمشاعر المقبوضة أن تتنفس نتيجة موقف
انفعالي كالحزن أو الألم؟!..وما يذهلني أن الرجل حتى ولو بكى فهو يناقض مشاعره
وطبيعته التي خلق بها ويعتبر هذا الحدث لا ينسى فهو يدل على ضعفه ويبقى ماثلا في
وعيه كإهانة لرجولته،وإنما الخطأ في هذا المفهوم الظالم ناتج عن قيم ثقافية ولدت في
نفسية الرجل القديم ولا أعرف لها سببا!
أقف في صف الرجل مدافعة عن حقه في البكاء لأن يبقى إنسانا،فالبكاء لا يقتصر على
جنس دون آخر ولا على عمر محدد أو لون معين،والعلماء قد نصحوا بالتعبير عن الانفعالات
وعدم كبتها وثابت علميا أن البكاء يريح الإنسان من الضغوط ويخلص الجسم من الكيماويات
السامة التي تتكون نتيجة الانفعالات،ومع هذا فالدموع في عالم ابن أدم قد سجنت داخل
تمثال الرجولة المنصوب في ساحة مجتمع فيه البكاء-وهو أبسط مظاهر الانسانيه-ممنوع
على الرجل لأنه رجل ومسموح للمرأة كعلاج للمشاعر والأحزان على طبق من الذهب ..
ولقد وصلت حدة فكرة كبت الدموع الرجل إثباتا لرجولته أنها قد تقوقعت داخل
اللاوعي،وصارت تتحكم بالمشاعر والأحداث،فهي تعتقل الانسانيه وتطرق عقله وقلبه
بمطرقه من مصنع الرجل،ومن المؤسف أن الرجل قد تقطع يده أو يموت والده ولا ترى
دمعة حزن تدل على ما بداخله من ألم فيزيائي أو شعوري،فلا عجب في النهاية عندما
تكون نسبة وفاة الرجال بنوبة قلبيه تفوق النسبة بالنسبة للنساء ومعدل العمر العالمي
للمرأة أعلى من الرجل...ولعل العجب يبطل لمعرفة السبب الذي هو الإجهاد النفسي الذي
بتكبده المسكين لأنه ولد ذكرا و((يموت ناقص عمر))كما يقولون..
إن هذه الرجولة الوهمية التي يلصقها المجتمع بكبت الدموع تلتصق في ذهنه طفلا قبل
أن يكون رجلا،فهم باسم الرجولة يمنعونه البكاء أمام الناس،وباسم الرجولة عليه أن يحرق
في أعصابه بدلا من أن يتنفس الصعداء باكيا باسم الرجولة ،الدمعة محرمة على عيونه
البريئة من جريمة ارتكبت بحق القناة الدمعية ويبقي التألم والألم ينهش في
جسده،وينتشر الحزن في دمائه...
ترى هذه الدمعة الحائرة الخائفة من السقوط في كل العيون غير الباكية.. تراها في الوجه
المبتسم والكئيب.. تراها في وجه الرجل والطفل ...في وجه الأب والابن.. في وجه
المتزوج والأخ،تراها في الوجه الإنساني من الصنف الرجالي فقط وفي مجتمعاتنا التي
أعطت المرأة حق البكاء فتفننت هي في عرضه،فصار هناك النحاب والعويل، وهناك بكاء
صامت وبكاء صارخ،بكاء صادق وبكاء تمثيلي،بكاء حزن وبكاء مزح،بكاء حب وبكاء كره وما
خفي أدهى!وحتى الدموع صارت مصنفة فهناك دموع الكحل وغيرها من الأصناف
النسائية 000وتبقي أنت عزيزي الرجل العربي ،مظلوم برجولتك،وقد أجبروك على أن
تنسى وظيفة القناة الدمعية ومنافع ذاك السائل المائي الملحي المذاق المسمى
بالدموع،وتنبيها أقول لك خذ من الخبر زادا فقد يؤدي كبت الدموع إلى كثير من الأمراض
مثل الجلدي أو إصابة الجهاز التنفسي أو المعوي والمعدي!!