(هذال بن راشد الحقباني الدوسري)
والد المجني عليه يفاجىء الجميع بعد أقل من 12 ساعة على وفاة إبنه
الشرقية تسجل أسرع تنازل في قضية قتل
علي الشهري – الدمام
في زمن أصبحت المتاجرة بالدماء أمرا غير مستغرب ،فأصبحنا نرى الكثيرين من الناس يتاجرون بدماء أبنائهم عندما تحدث قضية قد يقتل فيها أحد الأطراف سواءً بقصد أو غير قصد وبعد ذلك تبدأ مساعي الصلح ويأتي الكثيرون لمحاولة إقناع ذوي القتيل بالتنازل عن القاتل وغالباً ما يطالب أولياء الدم بمبالغ ماليه كبيرة تتجاوز في الغالب ملايين الريالات للتنازل، بالإضافة للكثير من العادات القبلية التي تسبق هذه التنازلات، بالإضافة لما يعقب التنازل من شروط تصل لحد طرد القاتل من الدولة أو المدينة التي وقعت فيها الحادثة وتجريد أسرته من جميع ما يملكون في تلك المدينة والكثير من العادات السيئة التي قد تصاحب تلك التنازلات .. وبعد الملايين التي تدفع والشروط التي تكتب يخرج ذوو القتيل ليعلنوا تنازلهم لوجه الله .
اليوم في حادثة مختلفة سجل في محافظة الجبيل أسرع تنازل عن قاتل ،حيث لم تمضِ إلا 12 ساعة على وفاة الشاب المجني عليه حتى قام والده بالتنازل وتسجيل ذلك شرعاً عن قاتل ابنه دون مقابل ودون أن يعلم ذوو القاتل عن ذلك التنازل الذي سجله والد القتيل ،وقد حاولنا التواصل مع أسرة القتيل إلا أن والده رفض وأكد بأنه سجل تنازله لوجه الله تعالى ولا يرغب في الظهور .
وتعود تفاصيل القضية كما يرويها لنا محمد ( الجاني ) فقال : حدثت مشادة بين بعض طلاب مدرستنا عند خروجهم وبين مجموعة أخرى ،وقد كنت متواجدا بالصدفة في الموقع فشاهدت أحد أصدقائي يتعرض للضرب فحاولت أن أتدخل لفض المتشابكين وإبعادهم عن بعضهم لكن عند دخولي للمعركة قام أحدهم بضربي رغم أني لم أكن طرفاً في المشكلة ودون شعور تناولت قطعة حديدية كانت مرمية على الأرض محاولاً ضرب أحدهم إلا أن القطعة الحديدية هوت على رأس صديقي الذي كنت أحاول مساعدته فسقط على الأرض والدماء تنزف من رأسه بعد ذلك قمنا بنقله للمستشفى وأدخل العناية المركزة في حالة خطرة وأجريت له عملية جراحية لمحاولة إنقاذ حياته وظل على هذه الحال مدة شهر وسلمت نفسي للشرطة وتم إرسالي لدار الملاحظة الاجتماعية بالدمام ،وبعد مرور قرابة الشهر على دخول المصاب للمستشفى توفي متأثراً بإصابته، ويضيف محمد : بعد أن علمت بوفاته – رحمه الله – أسودت الدنيا في وجهي فلم أكن أتصور بأن حالته خطرة لهذه الدرجة ومع ذهولي بالخبر الذي سمعته إلا أن خبر تنازل والد الفقيد أذهلني أكثر فلم تمضِ إلا ساعات قليلة على وفاة صديقي حتى قام والده بالتنازل من تلقاء نفسه ،كما علمت، وأسأل الله أن يرحم المتوفى ويسكنه فسيح جناته وأن يجبر مصاب والده الذي أنوي بعد خروجي من هنا أن أزوره وأقبل رأسه وأعبر له عما أعانيه من ألم نتيجة ما حدث ،حيث لم أكن أنوي أن الحق الضرر به أو بغيره ،لكن قدر الله وما شاء فعل ،وأسال الله أن يجزي والد ووالدة المتوفى وأشقائه خير الجزاء ويرحم المتوفى ويلهمهم الصبر والسلوان ,
كما قال سالم ناصر المري والد الجاني إن ما حدث معي أنا شخصياً لا يكاد يصدق فعند وقوع الحادثة ذهبت أنا ومجموعة من أقاربي لمواساة أسرة المصاب ولم نكن نعلم ما هي ردة فعل ذويه فغالباً في مثل هذه الحالات يرفضون استقبال ذوي الجاني وفي أحيان كثيرة قد يتعرضون لهم بالأذى ،لكننا ذهبنا لمواساة هذه الأسرة بشكل شخصي ودون طلب وساطات من أحد ولم أستطع أن أصدق ما حدث فقد خرج والد المصاب في ذلك الوقت هذال بن راشد الحقباني الدوسري وأقاربه واستقبلونا استقبالاً لم نكن نتوقعه ،رغم أننا لا تربطنا بهم أي علاقة أو معرفة سابقة ،وقمنا بمواساتهم في مصابهم وسألنا الله أن يمن على ابنهم بالشفاء ،وعند خروجنا من منزلهم ،قال لي والد المصاب: إنني أعلم ما تشعر به ،وتأكد بأن من يرقد في المستشفى هو ابنك وأن ابنك الآخر موقوف في الشرطة على ذمة القضية فما تعانيه لا يقل عما أعانيه أنا ،وقام يصبرني ويواسيني ،وبالفعل لم أكن أتخيل أن يحدث ذلك بيننا ،وكنت كل يوم أقوم بزيارة أبني المصاب في المستشفى حتى توفي -رحمه الله -وقد حزنت عليه حزناً شديداً ،فقد أصبحت أنا وأسرته أكثر من الإخوة بحكم وجودي معهم في المستشفى بشكل يومي وما لقيته منهم من طيبة لم أكن أتوقع أن تكون موجودة بين الناس في هذه الأيام، وفوجئت بعد وفاة ابنهم مباشرة بالتنازل عن ابني لوجه الله ودون أن يقوموا حتى بالتناقش معنا في هذا الموضوع، وقبل أن يدفن ابنهم ولم أعلم إلا بعد أن قاموا بالتنازل عن أبني ورغم أني لم أستغرب ذلك لما لقيته من هذه الأسرة الكريمة من معاملة طيبة وإحساسهم بالظروف التي أعيشها أنا وأسرتي ومشاركتهم لي ومواساتهم لما أعانيه وختموا كل تلك الأفعال التي لا أستطيع أن أعبر عنها بتنازلهم عن أبني دون علمي أو دخول وساطات في ذلك ،وإنما من تلقاء أنفسهم، وأسال الله أن يجزيهم خير الجزاء ويرحم أبنهم المتوفى الذي أعتبره أبني ويصبرهم ويعوضهم خيراً ،وأود أن أؤكد بأن ما قام به والد المتوفى وأشقاؤه لا يمكن أن يحدث إلا من أسرة كريمة مثل هذه الأسرة .