-2-
نزل الرجل من سيارتـه .. واتجه إلى باب البيت . لكنه التفت إلى
الطفلة ثم قال :
ــ تعالي .. انزلي .
نظرت إليه من النافذة وهي لاتدري كيف ستـخرج والباب مقفل .
وبعد لحظات ربما أدرك خلالها أنها لا تعرف كيف تفتح باب السيارة
اتجه إليها وفتح لها فرأى الصندوق الذي إلى جوارها ..
ـــ هذا لك ِ .. خذيه معك إلى الداخل .
ســحبت الصغيرة الصندوق من يده الحديدية المثبته عليه . وبالكاد
استطاعت أن تتوازن عندما حملته .. لقد كانت ذراعاها أصغر
من أن تلتف بشكل جيد حول الصندوق وتمسك به .
دخل الرجل . ودخلت خلفه ففاجأها وجود عدد من النساء والأطفال
هرولت احداهن إليها مرحبة .. وأمسكت بالصندوق وساعدتها
لتدخل إحدى الحجرات ..
سلم الجميع عليـهما ..ثم ناداها باســمها الرجل الذي لم تعرف اسمه
إلى الآن وعندما قال لها ــ يانــورة .. تــــعالي .
اتجهت إليه وهي تـتـساءل .. ( ترى هل نسي والدي أن يخبرني باسم
هذا الشخص ؟ ونسيت أمي أيضا ً ؟ أمي .... أمي .. كانت تبكي
قبل أن تخرج من الحجرة خلف النساء تودعهن ..
ترى هل كانت تبكي لفراقي .. أمي كانت تعرف أن هذا الرجل
سيأخذني ..
انـتـبهـت عندما دخلت خلف زوجها إلى حجرة فيها رجل تجاوز
السبعين من عمره .. نـظرت إلى زوجها فأشار إليها بتقبيل رأسه
وقال لها .. هذا والدي .. عمك أبو عبد الرحمن .
( عرفت الآن اسم زوجي .. اسمه عبد الرحمن )
لم تكن تجيب ذلك المسن عندما يسألها عن حالها وأحوال أهلها .
كان زوجها من يتولى الرد والإجابة على والده ..
تـناول الجميع الطعام في حجرة كبير المنزل .
ثم نادى الرجل زوجتـه الطفلة وودع والده ونساء المنزل .
وأمرها بحمل الصندوق من جديد إلى السيارة .. وفتح لها
الباب الخلفي أيضا ً ..
انطلقت السيارة إلى منزل ٍ آخر ..
دخلاه وقد حل الظلام ..
أشــعـل الفوانيس في المنزل .. وأدخل نورة إلى حجرة صغيرة .
وهي تـتـهادى بصندوقها الثقيل . وتضعه بقرب الباب .
رأت على ضوء الفانوس الموضوع على رف ٍ صغير
في الحائط , فراشين متجاورين على الأرض . ثم رأت زوجها يخلع ثوبه
وشماغـة وطاقيته ويعلقـها خلف باب الحجرة حيث يوجد عدد من
المسامير لتعليق الثياب ..
خرج من الحجرة دون أن يكلمها .. وبقيت واقفة لا تدري لماذا خرج
ولا إلى أين يذهب .
جلست على طرف الفراش .. لا تدري ماذا تـنــتـظر . ولا أين ستنام ..
وأين سينام هذا الرجل .
لم يغب طويلا ً زوجها .. لقد ذهب ليتوضأ .. فقد دخل وقت صلاة العشاء ..
عاد للحجرة .. فوجد الطفلة تـغـط في نوم عميق وقد ظل جسدها على
الأرض المفروشـة بالحـنـبـل .. ورأسها على الفراش .
صلى العشاء . وبعد الصلاة . اسـتـيقظت الطفلة لأن جاثوما ً ربض على
صدرها في الحلم .. وآلاما ً رهـيـبـة تـمـزق أسفل بطنها .
بكت كثيرا ً من الألم .. ومن الوحشـة .. ومن خوفها مما حصل ..
ولماذا حصل .. لم يكن حلماً .. كان هذا الرجل هو من جعلها تتألم .
لماذا يؤلمها هكذا .. ماذا فعلت به ليؤذيها ؟ شعرت بغدره لها
بجانب ما تشعر به من ألم .. شعرت بذلها .. وبعجزها عن الانتقام
لما فعله بها .
وضعت يدها مكان الألم .. فشعرت بأن هناك بلل كثير .. لكنها لا تراه
فقد اطفأ الرجل الفانوس عندما نامت .
انزوت في ركن الغرفة وتركته على الفراش ممدا ً يرتفع شخيره
وينخفض .. وجلست مكومة على ذاتها تبكي وترتجف خوفا وقهرا ً
إلى أن نامت جالسة في مكانها .
....
يـتـبـع .