ــ 7 ــ
خرجت منى من بيت والديها بعد ليلة عرس فوق سـطح منزلهم
ارتدت فيها فـسـتـانا ً أزرق .. اضـطرت إلى استعارتـه من إحدى
بنات عمها عبد الرحمن .. أما نساء القرية .. فلم يكن لديهن حديث
ليلة العرس سوى في ألوان ثياب الزفاف . وشكرهن لله بأن
عرفن الحق من الباطل أخيرا ً قبل أن يقعن في الحرام ويـُـلبـِـسـن
بناتهن ثيابا ً بيضاء ..
وبعد انتهاء العرس , وخروج منى .. بقيت نورة وبـنـتـاها ( وردة وأميرة )
يبكين حتى الصباح .. حزنا ً على فراق منى . مع أنها تسكن على بعد
نصف ساعة من منزلهم .. إذ أن المدينة المجاورة تمتد حتى تصل
أطراف قريتهم .
وفي الصباح . قامت البنتان وأمهما إلى تنظيف المنزل بعد أن تسبب
وجود الكثير من النساء والأطفال في اتساخه .
..و تـساءلت الصغيرة وردة .
ــ أمي أحقا ً سيغضب الله لو أن أختى ارتدت ثوبا ً أبيض ؟
احتارت نورة كثيرا ً .. فهي تخاف غضب الله .. وفي ذات
الوقت لم يتقبل عقلها تحريم الثوب وفقا ً للونـه .
وهنا سارعت أميرة لإجابة أختها ..
ــ طبعا ً حرام .. ألم تـتـعلمي في المدرسة قول الرسول ( لعن الله
المتشبهات من النساء بالرجال )
واستمر حوار البنتين .. لكن دليل تحريم الفستان الأبيض صار عند
نورة .. لذا استراحت إلى الفتوى .. واطمأن قلبها إلى أن ابنتها
منى لم تفعل حراما ً .
وعادت وردة لطرح الأسئلة .
ــ أمي .. متى تزوجون مبارك وتخرجونـه من البيت .. أنا لا أحبـه ..
هاجمت أميرة أختها بسرعـة وقالت ..
ــ لا تـحبين أخاك .. هل لأنه يريد أن يكون بيتنا كبيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم . خاليا ً من المحرمات .. متماشيا ً مع ما أمر الله
تـكرهينـه .. نـفـسك أمارة بالسوء ويجب أن تقاوميها ..
انـتـبهت نورة إلى كلام ابنتها أميرة وكيف أنها تميل إلى الموافقة
على ما يصنعه والدها وأخوها . واحتارت أكثر . هل الحق ما يقوله
مبارك ووالده فعلا ً . وكل ما عداه باطل . رددت في أعماقها ..
( ليتني تابعت دراستي .. ربما أكون تعلمت ما يجعلني أعرف أين
الصواب )
أما أميرة فلم تكن شـخصيتها من النوع الذي يستطيع مواجهة الأمور
لذا فخير طريق لها هو أن تـتـوهم الاقتناع بأن ظلمها هو العدل .
لـتـنـجـو من تساؤلات العقل .. وقسوة الرفض والمقاومـة ..
وهذا بخلاف ما كانت عليه وردة .. التي ترفض بحذر .. ما يقوله
أمام القريـة .. وتكتفي بالصمت .
***
كانت أميرة ووردة في الصف الأول الثانوي عندما كانتا لا تجدان
مكانا ً ولا تسلية سوى النظر من النافذة للمارة في الطريق .
تجلسان لساعات .. تتحدثان عن هذا وذاك ممن يسيرون بسياراتهم
أو على الأقدام ..
وكانت والدتهما تـنـضـم أحيانا ً إليهما تنظر وتـتـحدث .. إلى أن يأتي
إبراهيم أو ابنه من الخارج .. فتسرع النسوة إلى الابتعاد عن النافذة ..
وتهرول كل واحدة إلى عمل يجب أن تقوم به ..
كحمل الأغراض التي يحـضرانها من السوق . أو تناول ( الشماغ ) أو
الثوب إذا خلعـه وتعليقه في الشماعة .. أو إحضار الماء إن طلبه أحدهما
أو الطعام إن كان موعد الوجبة قد حان .
ويبقى الحال هكذا .. توتر .. وصمت .. إلى أن يخرجان أو ينامان ..
فتعود النسوة إلى النافذة .. يـنـظرن بحذر .. لكي لا يراهن من بالخارج
فـيـشي بـهن عند إبراهيم أو ابنه
وكم من الدموع ذرفنها لشعورهن بالضجر .. ولحاجتهن إلى التغيير ..
ــ هيا نزور أختي منى ..
أجابت الأم ــ اذهبي واطلبي من مبارك أن يوصلنا إليها .
فأجابت وردة ــ لتذهب أميرة فهي تحبـه .. أنا لا أريد أن أطلب منه شيء.
قالت اميرة ــ عندي اقتراح ..نزور عمتى .. بيتها قريب . ولايحتاج
سيارة .. وبهذا لا نطلب مبارك شيئا ً ..
رددت وردة كالعادة ــ كل ما نفعله إن خرجنا من بيتنا هو أن ندخل
بيتا آخر .. من بيت إلى بيت .. ألسنا من البشر .. ألا يمكن
أن نتنزه .. أن نذهب للأسواق ... أن نمشي في شوارع
المدينة .. لن أذهب لعمتي .. سأبقى هنا
يـتـبـع