ــ 9 ــ
خرجت البنتان من المستشفى والسؤال يدور في رأس نورة كإعصار
ــ ما أسعد يوم في حياتي . ربما يكون ذلك اليوم الذي كنت ألعب فيه
بعرائسي الخشبية في قريتنا القديمة .
ظلت نورة تبكي على سريرها الأبيض .. وتحبس دموعها كلما جاءها
زوار من أهلها أو أهل زوجها . أو بعض الجيران
وتعاود البكاء إذا انصرف الناس .
***
اتفقت البنتان على أن تقوم إحداهما بإعداد الطعام
وتتولى الأخرى تنظيف المنزل وغسل الصحون . وتتبادلان
الأدور في اليوم التالي . . ولم يكن الطعام سوى الكبسة
على الغداء . والخبز وبعض ( النواشف ) على العشاء .
***
ومن النافذة التي اعتادت الفتاتان الجلوس فيها رأت أميرة
أحدهم ينظر بحذر إليها ... تراجعت بسرعة .. وركضت إلى أختها
تخبرها . فاقبلت وردة لترى . ثم سارعت الفتاتان إلى إغلاق النافذة
النصف مفتوحة ..
ـــ أميرة كيف أمكنه أن يراك ِ ؟ ماذا لو أخبر مبارك ؟
ــ لن يخبره .. ألم تلاحظي كيف كان هو ذاته مرتبك ولا يريد أن
يراه أحد .
ــ لم انتبه .. افتحي النافـذة .. لكن بهدوء .. ربما يكون قد ذهب .
وفتحت أميرة النافذة . فابتسم الشاب من جديد . وخفض رأسه
لكي لا يلمحه أحد .
***
لم تعتد أميرة على ابتسامات الرجال . فحتى التلفزيون سبق
أن حطمه والدها . أما من يزورهم من أخوال وأعمام . فإنهم
يتجهمون في وجوه الصغيرات . يلقون التحية ويتبعها التعليمات
دائما ً عن كيف تكون الفتاة مهذبة وصالحة ثم ينصرفون .
وعلى الفتاتين أثناء وجودهم إعداد القهوة والشاي و الطعام .
***
كل ما خطر في بال أميرة هو أن هذا الشاب هو من سيتزوجها .
وراحت تبني قصورا ً في الهواء . وتحدث أختها أحيانا ً عن كل
ما تحلم به .
وشيئا فشـيئا صار موعد فتح النافذة معروفا ً عند الطرفين .
وقبل أن تـغلقها . تلوح بيدها بعد ان تتأكد أن لا أحد يراها سواه .
***
خرجت نورة من المستشفى تحمل كيسا ً من الأدوية .. وقائمة بالتعليمات
التي تحدد لها نوع الطعام المسموح والممنوع . وطرق العناية بعظامها
الهشة لكي لا تنكسر . وكان في التعليمات ما يفيد بأن التعرض
لأشعة الشمس كل صباح وقبل الغروب ضرورة لكل إنسان .
وأن رياضة المشي لمسافات تبني العظام .
ابتسمت نورة بشيء من حزن وسخرية . فهي لا تذكر أنها تعرضت
للشمس أو مشت في أي مكان منذ أن تزوجت إبراهيم .
إنها فقط في بيته لتخدمه . والاستسلام لرغباته في المساء
قالت بألم لابنتيها أثناء قراءتهما للتعليمات المطبوعـة
ــ أي صباح وأي غروب هذا الذي يمكن أن أتعرض فيه
للشمس ياابنتي
أجابت وردة بألم .
ــ صدقت ِ يا أمي . الشمس هنا كان يجب أن يكتبوا عليها
للرجال فـقـط .
ــ لــســت شاعرة وحسب با ابنتي . بل وداهية . أرجو أن لا يسمعك
أبوك أو أخوك .
ــ وماذا قلت يا أمي .. إني فقط أقر ّ بالواقع .. الشمس للرجال فقط .
قالت الأم مبتسمة :
ــ مارأيـك يا أميرة في كلام أختـك الداهية .
لم تـكن أميرة مـنـصـتـة لحديثهما . إنها في عالمها الخاص الذي
تتخيله دائما ً .. وتأمل أن يتحقق . إنها بخيالها مع حـســن .
***
لم يكن من الصعب أن يخبرها برقم هاتفه بالإشارة وحركة الشفتين
لكن الصعب هو أن تصل إلى الهاتف الذي في غرفة مبارك .
لذا اكتفت بالرسائل . تلقيها من النافذة ويلتقطها حسن .
ولا يكون الرد إلا في اليوم التالي حيث تجد الرسالة تحت حجر عند
الباب . تلتقطها قبل ذهابها للمدرسة .
يـتـبـع